فصل: الأشهر العربية وما يختص بها من القول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في الشهور والأعوام:

قال النويري:
نذكر في هذا الباب الشهور العربية واشتقاقها، والشهور العجمية، ودخول بعضها في بعض، والسنين القمرية، والشمسية، والنسيء ومعناها، وما يجري هذا المجرى، مما لمحناه أثناء المطالعة بعون الله تعالى وقدرته. وإياه أسأل التوفيق بكرمه ومنته! الشهور وما قيل فيها الشهر إما طبيعي، وإما اصطلاحي.
فالطبيعي هو مدة مسير القمر من حين يفارق الشمس إلى حين يفارقها مرة أخرى وقال آخرون: هو عود شكل القمر في جهة بعينها إلى شكله الأول.
وأما الاصطلاحي، فهو مدة قطع الشمس مقدار برج من بروج الفلك. وذلك ثلاثون يومًا، وثلث عشر يوم بالتقريب. وهذا مذهب الروم، والسريان، والفرس، والقبط. والله سبحانه وتعالى أعلم!

.الأشهر العربية وما يختص بها من القول:

والأشهر العربية قسمان: قسم غير مستعمل، وهو الذي وضعته العرب العاربة؛ وقسم مستعمل، وهو الذي وضعته العرب المستعربة، وكلا القسمين موضوع على الأشهر القمرية.
فأما القسم غير المستعمل، فهو أسماء كانت العرب العاربة اصطلحوا عليها، وهي: مؤتمر، ناجر، خوان، صوان ويقال فيه: بصان، رنى، أيدة، الأصم، عادل، ناطل، واغل، ورنة، برك.
وفي هذه الأسماء خلاف عند أهل اللغة. والدي ذكرناه منها هو المشهور، ويدل عليه قول الشاعر:
بمؤتمر وناجر ابتدأنا ** وبالخوان يتبعه البصان

ورنى ثم يده تليه ** تعود أصم صم به السنان

وعادله وناطله جميعًا ** وواغله فهم غرر حسان

وورنة بعدها برك فتمت ** شهور الحول يعقدها البنان

وأما القسم المستعمل، فهو هذه الأسماء المشهورة: المحرم، صفر، الربيعان، الجماديان، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة.
قيل: وإنما وضعوا هذه الأسماء على هذه الشهور لاتفاق حالات وقعت في كل شهر فسمي الشهر بها عند ابتداء الوضع فسموا المحرم محرمًا: لأنهم أغاروا فيه فلم ينجحوا، فحرموا القتال فيه، فسموه محرما.وسموا صفرًا: لصفر بيوتهم فيه منهم عند خروجهم إلى الغارات. وقيل: لأنهم كانوا يغيرون على الصفرية، وهي بلاد. وشهرا ربيع: لأنهم كانوا يخصبون فيهما بما أصابوا في صفر، الربيع الخصب. وجماديان: من جمد الماء لأن الوقت الذي سميا فيه بهذه التسمية كان الماء جامدًا فيه لبرده. ورجب: لتعظيمهم له. والترجيب التعظيم. وقيل: لأنه وسط السنة فهو مشتق من الرواجب، وهي. أنامل الأصبع الوسطى. وقيل: إن العود رجب النبات فيه أي أخرجه، فسمي بذلك. وكذلك تشعب العود في الشهر الذي يليه فسمي شعبان. وقيل: سمي بذلك لتشعبهم فيه للغارات. وسمي رمضان، أي شهر الحر. مشتق من الرمضاء. وشوال، من شالت الإبل أذنابها إذا حالت، أو من شال يشول إذا ارتفع. وذو القعدة: لقعودهم فيه عن القتال إذ هو من الأشهر الحرم. وذو الحجة، لأن الحج اتفق فيه قسمي به.
ويقال أن أو من سماها بهذه الأسماء، كلاب بن مرة.
ومن مجموع هذه الأشهر أربعة حرم، ثلاثة سرد، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ وواحد فرد، وهو رجب.
هذا ما رواه الأصمعي عن العرب في ترتيب الأشهر الحرم. واختار غيره أن الواحد الفرد هو المحرم؛ والسرد رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، لتكون الأربعة أشهر في سنة واحدة. وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ومنها أربعة أشهر لا تكاد العرب تنطق بها إلا مضافة، وهي: شهرا ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان.
فهذه الشهور العربية وما قيل فيها.
وأما شهور اليهود فأسماؤها: تشرى، مرحشوان، كسلاو، طابات، شباط، آذار، نيسان، أيار، سيوان، تموز، آب، أيلول.
وأما الشهور العجمية فإنها شمسية. وهي أقسام، بحسب الأمم التي تنسب إليهم.
فمنها الشهور القبطية، وتنسب لدقلطيانوس. وكل شهر منها ثلاثون يومًا.
وما فضل من عدد أيام السنة الشمسية جعلوه كبيسًا في آخر شهر منها وهي: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونه، أبيت، مسرى.
وأول توت يكون النوروز. وفي أول يوم من كيهك تدخل الأربعينيات، وهي أربعون يوم باردة تؤذن بالشتاء. وفي الرابع من برمودة تدخل الخمسينات، وهي أيام حارة تؤذن بالصيف.
ومنها شهور السريان والروم. وهما متفقان في العدد والدخول. والسريانيون ينسبون شهورهم لأغسطش، وهو قيصر. وهذه الشهور منها ما ينقص عن الثلاثين، ومنها ما يوفيها، ومنها ما يزيد عليها. وفيها يقول الكيزاني:
شهور الروم ألوان ** زيادات ونقصان

فتشرينهم الثاني ** وأيلول ونيسان

ثلاثون، ثلاثون ** سواء، وحزيران

وأشباط ثمان بعـ ** ـد عشرين له شان

والسبعة التي تركها، كل شهر منها يزيد يوما.
ووضع لها بعض المغاربة ضابطًا، وهو حروف معجمة ومهملة يجمعها في أربع كلمات، وهي: فاز رجل ختم بحج. وجمعها آخر في مثل ذلك فقال: غاب عنك زيد فحج. فما كان معجما فهو أحد وثلاثون يوما، وما كان مهملًا فهو ثلاثون، والشهر الموافق للألف ثمانية وعشرون.
وأول سنة السريان تشرين الأول. ودخوله رابع بابه، ويوافق أكتوبر من شهور الروم، وهو أحد وثلاثون يوما؛ ثم تشرين الثاني، ودخوله في الخامس من هتور، ويوافقه نومبر من شهور الروم، وهو ثلاثون يوما، ثم كانون الأول، ودخوله في الخامس من كيهك، ويوافقه دجبنر من شهور الروم، وهو أحد وثلاثون يوما؛ ثم كانون الثاني، ودخوله في السادس من طوبه، ويوافقه ينير من شهور الروم، وهو أول سنتهم، وعدد أيامه أحد وثلاثون يوما؛ ثم شباط، ودخوله في السابع من أمشير ويوافقه فبرير من شهور الروم، وهو ثمانية وعشرون يومًا وربع يوم؛ ثم آذار، ودخوله في الخامس من برمهات، ويوافقه مارس من شهور الروم، وهو أحد وثلاثون يوما؛ ثم نيسان ودخوله في السادس من برمودة، ويوافقه أبريل من شهور الروم، وهو ثلاثون يوما؛ ثم أيار، ودخوله في السادس من بشنش، ويوافقه مايه من شهور الروم، وهو أحد وثلاثون يوما؛ ثم حزيران، ودخوله في السابع من بؤونة، ويوافقه يونيه من شهور الروم، وهو ثلاثون يوما؛ ثم تموز، ودخوله في السابع من أبيب، ويوافقه يوليه من شهور الروم، وهو أحد وثلاثون يوما؛ ثم آب؛ ودخوله في الثامن من مسرى، ويوافقه أغشت من شهور الروم، وهو أحد وثلاثون يوما؛ ثم أيلول، ودخوله في الرابع من توت، ويوافقه ستنبر من شهور الروم، وهو ثلاثون يوما.
ونظم بعض الشعراء أرجوزة في مداخلة الشهور، فقال:
وإن حفظت أشهر السريان ** وكنت من ذاك على بيان

ورمت منها عمل المنازل ** فإنها معلومة التداخل

أيلول يبدو رابعًا من توت ** هذا بحكم النظر المثبوت

وهكذا تشرين وهو الأول ** من بابه أربعة تكمل

أول تشرين الأخير يدخل ** ومن هتور خمسة يا رجل

أول كانون وأعنى الأولا ** وخامس من هيكل تعدلا

أول كانون الأخير سادس ** من طوبة فيها يقيس القائس

ومن شباط أول يوافي ** سابع أمشير بلا خلاف

أول آذار حساب صادق ** من برمهات خامسًا يوافق

برمودة سادسه وأول ** نيسان وفق ليس عنه معدل

أول أيار بغير لبس ** يوافق السادس من بشنس

بؤونة وافق منه سابعه ** أول حزيران لما يتابعه

أول تموز على الترتيب ** يدخل في السابع من أبيب

أول آب ثامن من مسرى ** العلم بالمرء اللبيب أحرى

.ما يختص بالسنة من القول:

وما جاء من اختلاف الأمم في ابتدائها وانتهائها، والفرق بين السنة والعام.
أما الفرق بين السنة والعام، فإنهم يقولون سنة جدب وعام خصب. قال الله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات}. وقال تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}.
والصحيح أنهما اسمان موضوعان على مسمى واحد.
قال الله تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما}.
والسنة طبيعية، واصطلاحية.
فالطبيعية قمرية؛ وأولها استهلال القمر في غرة المحرم، وانسلاخها بسراره في ذي الحجة. وهي اثنا عشر شهرا، وعدد أيامها ثلثمائة يوم وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم تقريبًا؛ ويتم من هذا الخمس والسدس في ثلاث سنين يوم، فتصير السنة في الثالثة ثلثمائة وخمسة وخمسين يومًا. ويبق شيء يتم منه ومن خمس اليوم وسدسه المستأنف في السنة يوم واحد إلى أن يبقى الكسر أصلا بأحد عشر يوما عند تمام ثلاثين سنة. وتسمى تلك السنة كبائس العرب.
وأما السنة الاصطلاحية فإنها شمسية، وعدد أيامها عند سائر الأمم ثلثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم. فتكون زيادتها على السنة العربية عشرة أيام ونصف يوم وربع يوم وثمن يوم وخمسًا من خمس يوم.
ويقال: إنهم كانوا في صدر الإسلام يسقطون عند رأس كل اثنتين وثلاثين سنة عربية سنةً، ويسمونها الازدلاف. لأن كل ثلاث وثلاثين سنة قمرية اثنتان وثلاثون سنة شمسية تقريبًا. وذلك تحرزهم من الوقوع في النسيء في عصرنا هذا بين كتاب التصرف التحويل. لأنا نحول السنة الخراجية إلى الهلالية، ولا يكون ذلك إلا بأمر السلطان.
وسنة العالم- على ما اتفق عليه المنجمون- هي من حين حلول الشمس رأس الحمل، وهو الاعتدال الربيعي. ومنهم من يجعل أولها من حين حلول الشمس رأس الميزان، وهو الاعتدال الخريفي. وابتداء سنة القبط قطع الشمس اثنتي عشرة درجة من السنبلة، وابتدؤا بفعل ذلك في زمن اغسطش، وهو قيصر الأول على ما ذكره أصحاب الزيجات.
وأما السريانيون، فأول سنتهم عند قطع الشمس من الميزان ست عشرة درجة.
النسيء ومذهب العرب فيه: يقال إن عمرو بن لحي، وهو خزاعة- ويقال اسمه عمرو بن عامر الخزاعي- هو أول من نسأ الشهور، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، وجعل الوصيلة، والحامي. وهو أول من دعا الناس إلى عبادة هبل، قدم به معه من هيت.
ومعنى النسيء أنهم ينسئون المحرم إلى صفر، ورجب إلى شعبان.
وكان جملة ما يعتقدونه من الدين تعظيم الأشهر الحرم الأربعة، وكانوا يتحرجون فيها من القتال. وكان قبائل منهم يستبيحونها فإذا قاتلوا في شهر حرام، حرموا مكانه شهرًا من أشهر الحل، ويقولون نسيء الشهر.
وحكى ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام: أن أول من نسأ الشهور على العرب، وأحل منها ما أحل، وحرم ما حرم القلمس. وهو حذيفة بن فقيم بن عامر بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خزيمة.
ثم قام بعده ولده عباد، ثم قام بعد عباد ابنه قلع، ثم قام بعد قلع ابنه أمية، ثم قام بعد أمية ابنه عوف، ثم قام بعد عوف ابنه أبو ثمامة جنادة، وعليه ظهر الإسلام.
فكانت العرب إذا فرغت من حجها، اجتمعت عليه بمنى، فقام فيها على جمل، وقال بأعلى صوته: اللهم إني لا أخاف ولا أعاف، ولا مرد لما قضيت! اللهم إني أحللت شهر كذا ويذكر شهرًا من الأشهر الحرم، وقع اتفاقهم على شن الغارات فيه وأنسأته إلى العام القابل أي أخرت تحريمه وحرمت مكانه شهر كذا من الأشهر البواقي! وكانوا يحلون ما أحل، ويحرمون ما حرم.
وفي ذلك يقول عمرو بن قيس بن جذل الطعان، من أبيات يفتخر:
ألسنا الناسئين على معد ** شهور الحل، نجعلها حراما؟

وحكى السهيلي في كتابه المترجم بالروض الأنف أن نسيء العرب كان على ضربين: أحدهما تأخير المحرم إلى صفر لحاجاتهم إلى شن الغارات وطلب الثأر، والثاني تأخير الحج عن وقته تحريًا منهم للسنة الشمسية. فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور في ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته. فلما كانت السنة التاسعة من الهجرة حج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوافق حجه في ذي القعدة، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام القابل فوافق عود الحج إلى وقته في ذي الحجة كما وضع أولًا. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه، خطب فكان مما قال في خطبته صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض». يعني أن الحج قد عاد في ذي الحجة.

.السنة التي يضرب بها المثل:

يضرب المثل:
بعام الجراد: كان سنة ثمان من الهجرة.
عام الحزن: وهي السنة التي مات فيها أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها وهي سنة عشر من الهجرة، وكان موتها بعده بثلاثة أيام وقيل بسبعة.
عام الرمادة: كان سنة ثماني عشرة من الهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أصاب الناس فيه قحط حتى صارت وجوههم في لون الرماد من الجوع. وقيل: كانت الريح تسفي ترابًا كالرماد لشدة يبس الأرض، على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في التاريخ.
عام الرعاف: كان سنة أربع وعشرين من الهجرة، سمي بذلك لكثرة ما أصاب الناس فيه من الرعاف.
عام الجماعة: كان سنة أربعين من الهجرة. فيه سلم الحسن بن علي رضي الله عنهما الخلافة لمعاوية، فاجتمعت الكلمة فيه.
عام الجحاف. كان سنة ثمانين من الهجرة، وقع بمكة سيل عظيم ذهب بالإبل وعليها الحمول.
عام الفقهاء. وهو سنة أربع وتسعين من الهجرة. فيها مات علي بن الحسين زين العابدين، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يسار، وسعيد بن زيد بن ثابت. وفيه قتل الحجاج بن يوسف الثقفي سعيد بن جبير.
سنيات خالد. يضرب بها المثل في الجدب. وهو خالد بن عبد الملك بن الحارث المعروف بأبي مطير. كان قد تولى لهشام بن عبد الملك المدينة سبع سنين توالى القحط فيها حتى أجلى أهل البوادي.
سنة عشر ومائة. مات فيها فريدان في الزهد: الحسن البصري ومحمد بن سيرين، وقرينان في الشعر: جرير والفرزدق.
سنة ست وخمسين وثلاثمائة. مات فيها جماعة من الملوك، وهم: شمكير بن زياد صاحب طبرستان وجرجان، ومعز الدولة بن بويه، وكافور الأخشيدي صاحب مصر، ويقفور ملك الروم، وأبو علي محمد بن إلياس صاحب كرمان، وسيف الدولة ابن حمدان ممدوح المتنبي، والحسن بن فيرزان صاحب أذربيجان. اهـ.